الوصف
الروائي الجزائري حسان أحمد شكاط (صاحب رواية ” ذاكرة عالقة “) يتناول الشعوذة كمحور مركزي في روايته الجديدة “عين الغراب – الرجل الذي حالف الشيطان” (الصّادِرة عن “دار آمنة للنشر والتوزيع” الأردنية، تحوي 182 صفحة).
تتناول الرواية بجرأة ظواهر اجتماعية تتعلق بالمسحوقين والمنسيين من خلال شخصية بطل الرواية “عين الغراب” الذي حمل على كاهله هموم وأمراض مجتمعه، وقد شكلّت والدته فاطمة الوعلاجي من أولادها الأربعة ، ثلاثة وُلدوا قبل الزواج بعيسى الميري (السكّير المنحرف الذي قُتل، ولم تقِم له أيامًا للعزاء خلافًا للعادة المتّبعَة، متشرّد ربّته الشوارع والحانات، لا عائلة له، اكتسب لقب الميري من عالم الاجرام والسجون، سُجن لبضعة سنوات إثر اختطاف شخص وتعذيبه، وتهديد حياته بالموت، وسكب على ركبتيه قدر ماء مغلي، على مرأى طفله عاشور) ورابعهم شرعي إثر زواج بعقد مدني، عُصابة ووِحدة إجرامية، بتوزيع اختصاصات عليهم، لأنها برعت في الانحراف فعلمتهم سبله وقواعده. كلّفت بكرها يزيد الرعد بنشل وسرقة حافظات النقود من ركاب حافلات النقل الجماعي وحقائب اليد من النساء المسنّات، وكلّفت ابنها موح يماها بسرقة السلاسل والاقراط والحلي الذهبية من النساء (أطلق عليه ياماها نسبة للدراجات اليابانية السريعة)، وابنتها فريال “المكسيكية” تخصصت في استدراج الرجال قبل الانقضاض عليهم من قبل أشقائها للسطو على ما بحوزتهم، وصغيرها عاشور تخصص منذ طفولته في سرقة البيض والدجاج من المزارع، وقد كلفه ذلك فقدان عينه يوم تجرأ على اقتحام دجاجة وكتاكيتها في خُمّها فانقضّت عليه وفقأت عينه اليمنى، ومن تلك الحادثة حضرت تسميته بـعين الغراب، وفاطمة دخلت السجون سنين طويلة نتيجة قضايا “عنف وجرح عمدي بمختلف الأسلحة البيضاء” كاعتدائها على جارة تسببت لها في عدة كسور خطيرة بسبب نظرات المرأة الساخرة اليها! ويصوّرها كشيطانة لا تجيد سوى صناعة الألم والأذى، فيها الكثير من القساوة في معاقبة أولادها كالكيّ بالنار في كامل أنحاء الجسد، أو الحرمان من الأكل يوما كاملا، أو التجريد من الملابس في برد الشتاء…! وتنفق كل الأموال على الحلي الذهبية التي تزين كامل جسدها المترهل.
عين الغراب ضحية الفقر والمؤسسة، ضحيّة الجريمة، الاعتداءات الجنسية، ووليد الفقر والحاجة والعوز الذي يدفعه إلى عالم الجريمة منذ صغره، من جريمة صغيرة إلى أكبر فيهوي إلى العالم السفلي ويصير مجرمًا… لينتقم. ينتقم بعد سنوات طويلة من علاوة الذي تعدى عليه فغرز السكين في فخذه وأحدث جروحًا عميقة في صدره وبطنه وبتر إصبع سبابته اليمنى… لأجل الذكرى! ، وينتقم من مزرعة صاحب الدجاجة التي فقأت عينه “قام برش المزرعة بالبنزين، وأوقد النار… وانتشرت في المنطقة وليوم كامل رائحة الدجاج المشوي… أما صاحب المزرعة فقد ارتفع ضغطه وأصيب بجلطة …وفارق الحياة”.
كان يستمتع بأفعال انتقامية، “يلقي الحجارة على السيارات ويسحره صوت انفجار زجاجها وفرملات سائقيها المذعورين”، واستمتع بتعذيب الكلاب والقطط بل وحتى قتلها “تغمره سعادة ومتعة وهو يشاهد الكلاب وهي تغرق في الوديان والبرك، بعد أن يكون قد ربط أطرافها بالحبال، أو يغرز قضبانًا حديدية في أحشائها، بل ويقوم بإذابة البلاستيك المغلي على النار ورشقه على جسدها”.
يعيش عاشور في كوخ صغير حقير يستعمله للإقامة وللأكل ولجميع أنواع القذارة في منطقة أكواخ صفيحية في إحدى زوايا المدينة المنسية، مثله مثل صديقه سعيد ناموس الذي يعيش في منطقة الأكواخ القصديرية، يكبر في ذاك العالم ليتورط في قضايا سرقة ونبش قبور الموتى لسرقة أذرع الموتى مقابل المال حسب طلب مشعوذة محترفة، يامنة بوحديس، ولا يكترث لقتل حارس المقبرة لتنفيذ المهمّة. يامنة مشهورة بقراءة الحظ وأعمال الشعوذة ويقصدها المئات “بين طالب لعمل وزواج وسكن أو سفر إلى بلاد أوروبية”. “تجارتها” مزدهرة، فساحة كوخها مكتظة بزبائنها مما جعل الباعة ينصبون البسطات لبيع سندويتشات البطاطا المقلية والبيض المسلوق والمشروبات الغازية والمعدنية، وحلاقون متجولون يعرضون خدماتهم لحلاقة الذقن أو الشعر، وباعة متجولون يعرضون زيت الزيتون أو الخروع، و”النساء اللواتي يرغبن في موعد سريع للقاء يامنة.. يسلمن أنفسهن”! ويتساءل شكاط على لسان بطله بسخرية سوداء :”ما أهمية ما تقوم به؟ وأي قوة خارقة تمتلكها حتى يقصدها الناس ويدفعون من أجل لقائها الغالي والنفيس؟”
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.