تواجه المجتمعات العربية جملة من التحديات، تتعلق بهويتها وفاعلية نظمها الاجتماعية والسياسية مع التغيرات الدرامية التي تجد نفسها مجبرة عليها، في عالم لا يتوقف عن الدفع بشروط جديدة للبقاء. من هنا فإن الاستجابات ذات الطابع السياسي الفوري قد لا تكون كفيلة بالإصلاح ومواءمة الظرف العام، بل ثمة حاجة ملحّة إلى نظرة تأملية إلى طبيعة التكوين الثقافي للمجتمع، فالثقافة كممارسة يومية تمثل مجموعة من المحددات التي تقود أي حراك إنساني. من هنا كان للدراسات التي ضمها كتاب د.عبدالله الجسمي، أستاذ الفلسفة بجامعة الكويت، في كتابه الصادر أخيرا عن دار صوفيا «أبحاث وأوراق في الفلسفة والفكر والثقافة» أهميتها، حيث ترصد هذه الأبحاث إشكالات الهوية، والرؤية الفكرية المأمولة للحركة الوطنية، والتغيرات التي طرأت على «البعد الثقافي القومي»، مع الاهتمام بدور المؤسسة السياسية في صياغة رؤية ثقافية من خلال ما نص عليه الدستور. في حديثه حول إصدار الكتاب قال د.الجسمي «يأتي الاهتمام بالثقافة وإدخالها مجالات عدة كالسياسة والحوار والهوية وغيرها، لكون الثقافة الحاضنة للقيم والممارسات وطرق التفكير والرؤى والابداعات الفنية. بينما ما نراه من تراجع في مستويات عدة على المستوى المحلي والعربي كالتعليم والابداع والتحديث الفكري والقيم، يعود إلى عوامل ثقافية أفرزت ظواهر التعصب والاقصاء والتطرف المعيقة لتطور مجتمعاتنا. وبالمقارنة مع فترة النهضة العربية، التي امتدت لأكثر من قرن سنجد علامات بارزة للتقدم في معظم المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية نتيجة لطبيعة الثقافة المنفتحة آنذاك». وفيما يتعلق بتراجع دور التأسيس الفلسفي في استجلاء المشكلات السياسية والاجتماعية، قال الجسمي «هنالك مشكلة فعلية في الساحة الثقافية والفكرية العربية تتعلق بدور التحليلات الفلسفية والفكرية للأوضاع والمشكلات القائمة، وهذا ناتج عن أسباب عدة؛ منها الصورة النمطية السلبية عن الفلسفة ودورها في الحياة، والموقف المعادي من قوى الإسلام السياسي للفلسفة والفكر التنويري، وحصر الغالبية الساحقة من الأكاديميين المتخصصين في الفلسفة بأروقة الجامعات، وعدم إدخالها واقع الحياة اليومية لمعالجة ما يحتويه من مشكلات وطرق تفكير وآراء».
«ثم وقع الغلاء في الدولة الأيوبية… وكان سببه توقف النِّيل عن الزيادة، وقصوره عن العادة… فتكاثر مجيء الناس من القرى إلى القاهرة من الجوع، ودخل فصل الربيع، فهبَّ هواءٌ أعقبه وباءٌ وفناء، وعُدم القوت حتى أكل الناس صغار بني آدم من الجوع، فكان الأب يأكل ابنه مشويًّا ومطبوخًا، والمرأة تأكل ولدها… ثم تزايد الأمر حتى صار غذاء الكثير من الناس لحوم بني آدم بحيث ألِفوه، وقلَّ منعهم منه لعدم القوت من جميع الحبوب وسائر الخضراوات وكل ما تنبته الأرض».
كتابٌ ممتع ومهم، يتناول فيه المقريزي، واحد من أهم مؤرخي مصر، تاريخ المجاعات التي ألمَّت بمصر منذ أقدم العصور، وحتى بدايات القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وقت تأليف هذا الكتاب، ثم يُحلل بأسلوب علمي سلس في فصول لاحقة أسباب المجاعات وسُبل علاجها.
دفعوا بنا إلى قاعة بيضاء كبيرة، فصارت ترفث عيناي من شدة النور، رأيت طاولة وراء ها أربعة أشخاص مدنيين، كانوا يتصفحون أوراقا، وكان السجناء الاخر في أخر الغرفة، كان علينا أن نعبر الغرفة حتى أخر ها لنلتحق بهم. كنث مخبولا وكان رأسي فارغا، لكن الغرفة مدفأة، وهذ