الوصف
الأجنحة المتكسرة
ماذا لو تحول كاتب العمل إلى مضمونه؟ ماذا لو صار مؤلف الكتاب هو مادته؟ وهل يمكن أن ينصف القارئ ويذكر الحقائق عن نفسه كاملة أم أنه سينتقي منها ما يجمله ولا يهز صورته بأعين محبيه ومتابعي شؤونه؟ وهل في الأمر جرأة أن تكون الرواية بقلم إنسان عن نفسه وحياته؟ أم أنها مغامرة غير مدروسة؟
قلة هم الكتاب الذين كتبوا عن أنفسهم وصاغوا حياتهم على شكل رواية، وكان منهم صاحب كتابنا الذي نتطرق إليه، جبران خليل جبران، الذي كتب ( الأجنحة المتكسرة ) ليكون هو بطلها.
تتحدث رواية (الأجنحة. المتكسرة) عن الكاتب نفسه، جبران خليل جبران.. حيث بدأت القصة وهو بعمر الثامنة عشرة..
ولد جبران لعائلة مسيحية مارونية، كان والده يعمل راعياً للماشية، حتى فقد عمله لكثرة الديون المتراكمة عليه وانشغاله بلعب القمار وشرب الكحول، وكانت والدته هي «كاميليا رحمة»- ابنة الخوري اسطفان عبد القادر رحمة- التي أنجبته وعمرها 30 عاماً، لم يتلقَ جبران التعليم الرسمي، وكان يتعلم العربية والكتاب المقدس من كاهن القرية.
في عام 1891 تم إلقاء القبض على والده وسجنه بتهمة الفساد المالي وتمت مصادرة جميع ممتلكاته، والشائع المتداول عن والد جبران وطباعه أنه كان فظاً سكّيراً، يسيء معاملة أفراد أسرته ويقسو على ولده -منذ سنواته الأولى- قسوة بالغة، أما عائلته التي بقيت مشردة عاشت فترة من الوقت في منزل أحد أقاربهم، وبسبب تصرفات الوالد غير المسؤولة ابتعدت العائلة عنه، حتى بعد خروجه من السجن بعد ثلاث سنوات إلا أن العائلة هاجرت إلى الولايات المتحدة في 25 حزيران/يونيو 1895.
وفي عام 1898م قررت العائلة عودة جبران إلى لبنان، وفي هذا الجزء من حياته كُتبت هذه الرواية؛ ليتمكن من تحصيله المدرسي وتعلم اللغة العربية، فالتحق بمدرسة “الحكمة” في بيروت، وأنهى دراسته فيها بعد أربع سنوات متقناً العربية والفرنسية، ومتفوقاً في دروسه، خاصة الأدب العربي.
كان جبران خليل جبران شخصية تتميز بالحكمة والإبداع فقد تراكمت لديه عوامل عدة جعلته يبدع في الرسم والقراءة والتأمل ونزعة الحب وتبدل المفاهيم الدينية والغربة.. أيضاً مرافقة جبران لنخب من رواد التجديد في الشعر والرسم والنحت والسياسة مثل: بشارة خوري، والأخطل الصغير ويوسف الخال وغيرهم..
وخلال سنة واحدة من حياته في الرابع من نيسان سنة 1902م والثامن والعشرين من حزيران يونيو 1903 فقد جبران أعز ثلاثة من أحبائه: أخته سلطانة، والأخ الأصغر “بطرس” جراء إصابتهما بمرض السل ولحقت بهم والدتهم كميلة التي أصيبت بداء السرطان.
وتوفي جبران في العاشر من إبريل سنة حدى وثلاثين وتسعمائة وألف إثر إصابته بمرض السرطان في نيويورك.
تدور أحداث الرواية عندما كان جبران في سن الثامنة عشر من عمره، حيث التقى صديق والده فارس كرامة، فطلب منه السيد فارس كرامة أن يزوره في بيته ليحدثه أكثر عن والده ويعرفه على ابنته سلمى، سلمى كرامة كانت ابنة جاه ومال وجمال، أحبها جبران من النظرة الأولى من أول لقاء وأصبح يزورها دائماً. كان يتعرف على سلمى ويزداد حبه وتعلقه بها..
فقد وصف جبران لقائه بسلمى قائلاً: “كنت في الثامنة عشرة عندما فتح الحب عيني بأشعته السحرية، ولمس نفسي لأول مرة بأصابعه النارية. وكانت سلمى كرامة المرأة التي أيقظت روحي بمحاسنها، ومشت أمامي إلى جنة العواطف العلوية، حيث تمر الأيام كالأحلام وتنقضي الليالي كالأعراس.
سلمى كرامة هي التي علمتني عبادة الجمال بجمالها، وأرتني خفايا الحب بانعطافها، وهي التي أنشدت على مسمعي أول بيت من قصيدة الحياة المعنوية.
وما أن تبادل العشيقان الحب حتى استدعى المطران السيد فارس للتحدث معه في أمرٍ هام في نفس الليلة التي أعترف جبران بحبه لسلمى التي بادلته نفس الشعور، حتى عاد السيد فارس يخبر سلمى بقرار زواجها من ابن أخ المطران منصور بك، الذي كان رغب بالزواج من سلمى طمعاً بأملاك أبيها وأملاكها، فتزوجت سلمى منصور بك رغماً عنها، فمر الزمان وجبران وسلمى يلتقيان سراً في معبد صغير بعيداً عن الأنظار، حتى علمت سلمى بشكوك المطران فودعت جبران والحزن يغمرهما، بعد خمس سنوات من زواج سلمى حملت سلمى بطفلها الأول وما أن لبثت أن تضع فجراً حتى فارق الحياة وقت الشروق حزنت سلمى وضمت طفلها ولحقت بطفلها وهي تحتضنه حزناً، وعند دفن سلمى عبر جبران عن حزنه قائلاً:
“عاد المشيعون، وبقي حفار القبور منتصباً بجانب القبر الجديد وفي يده رفشه ومحفره، فدنوت منه وسألته قائلاً: (أتذكر أين قبر فارس كرامة؟!).
فنظر إلي طويلاً ثم أشار نحو قبر سلمى وقال: “في هذه الحفرة، قد مددت ابنته على صدره، وعلى صدر ابنته قد مددت طفلها، وفوق الجميع قد وضعت التراب بهذا الرفش”!
فأجبته: “وفي هذه الحفرة أيضاً قد دفنت قلبي أيها الرجل، فما أقوى ساعديك!” “..
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.