الوصف
رواية “المادة السوداء” لـ”بليك كرواتش” هي واحدة من أفضل روايات الخيال العلمي التي قرأتها في حياتي وبلا شك ستظل آثارها لفترة طويلة معي..هذه الرواية احتلتني من أول صفحاتها حتى نهايتها.. بل ووجهت نظري إلى كاتب سأحاول إقتناء كُل أعماله ومُشاهدة كُل المُسلسلات والأفلام المُقتبسة عن رواياته.
هي رواية خيال علمي بلا شك ولكن هُناك جانب إنساني كبير جداً.. تعالى معي إلى هذا الصندوق الأسود أولاً لكي تستطيع أن تفهمني جيداً.. هيا أعطني يدك.. أنا أرى الوريد الآن.. لن تشعر بشيء.. أن يدي خفيفة للغاية.. هل تعلم ما هي عاصمة (جزر الفارو)؟ لا تعلم أن هُناك بلد اسمها جزر الفارو أصلاً؟ لا بأس أنها (تورسهافن) وها قد أنتهيت من إعطائك الحُقنة فكفى كلاماً خارج السياق ولنعد لموضوع روايتنا.
حكايتنا تبدأ مع (جيسون ديسن) الذي يُدرس الفيزياء.. فرعاً ما مُمل.. جيسون الذي وجد نفسه فجأة في عالم آخر بعيداً عن زوجته (دانييلا) وابنه (تشارلي).. عالم لا ينتمي إليه.. كيف حدث ذلك؟ ألم أذكر لك؟
لقد تعرض لخطف! وهو عائد إلى منزله قام ذلك المُقنع بلبس الجيش بخطفه.. ليجد نفسه في عالم غريب عليه.. هل جُن؟ هل فقد عقله؟ أم أنه مُجرد ورم؟ ورويداً رويداً حتى فهم (جيسون) أنه قد تم نفيه خارج عالمه إلى عالم آخر (دانييلا) فيه لم تكن زوجته.. ما هذا بحق كل العبث؟ دانييلا؟ ليست زوجتي! ليست ملكي! لن أستطيع أن أحتضنها بين يدي! للآسف لا يا جيسون!
يتعرف (جيسون) في هذا العالم الغريب على (آماندا) التي تُساعده ليفهم.. ويا ليته ما فهم..
يبدو أن أحد نسخه من العوالم المتوازية قد نقلته إلى هذا العالم.. ليعيش في عالمه هو!
ولكن لماذا؟
بكل تأكيد من أجلها..
من أجل دانييلا.
“أنا حصلت على كل شيء أردته في حياتي، فيما عداك. وأنت كُنت تسكنيني. ما كان يُمكن أن نكون.. هذا هو السبب..”
فيخوض (جيسون) تجربة لن ينساها مهما طال عُمره.. فهو سيذهب في كُل الرحلات المُمكنة إلى كُل العوالم البديلة من أجل أن يُحالفه الحظ لكي يرجع إلى عالمه..
وعند هذا الجزء توقعت أن يكون عودته إلى عالمه سهلة ويسيرة ولكن الكاتب فاجئني صراحة.. وكان هذا الجزء رائع ومشوق وحزين جداً.. فـ(جيسون) اضطر إلى أن يرى (دانييلا) تموت بدل المرة اثنين، (دانييلا) غير موجودة أساساً، (دانييلا) لا تعرفه من الأساس..
وفي أشد نوبات اليأس كان يُفكر أن يستقر في أي عالم تكون فيه (دانييلا) مُتاحة.. ولكنه لم يستطع ذلك.. لماذا؟
لأنها ليست النسخة من (دانييلا) التي عرفها.. بأعماقه يعلم جيداً أن هُناك من سرق مكانه في بيته وبين أحضان زوجته وأحضان ابنه.. وهذا يُثير حنقه بشدة!
كيف تحولت حياة هذا المُدرس الجامعي إلى جحيم من الغضب هكذا؟ كيف لأحد شخصياته أو إختياراته أن تجعله يمر بكل ذلك..
“أنا ببساطة مُدمر.. مكسور، مرعوب، وعلى حافة أن أرغب في أن ينتهي كُل هذا..”
وعندما حالفه الحظ، وعاد إلى عالمه وجد الكثير من المُفاجئات هُناك.. والتي لن أقوم بكشفها هُنا يكفي ما كشفته.. ويكفي القول أن آخر ثُلث في الرواية هو أكثر من قرأته تشويقاً ومُتعة في حياتي..
ثم نأتي إلى أهم جانب من جوانب الرواية..
علاقة (جيسون) بـ(دانييلا)..
قبل الحادث، نعم علاقتهم كانت جيدة ولكنها لم تكن الكاملة.. لماذا يُحارب ويُقاتل بهذا الشكل من أجلها؟
لأنها عرف أنه يُحبها.. عرف أنه فقط لأنها كانت متواجدة فهي مُتاحة.. وبمُجرد ما فقدها.. عرف أنه لن يستطيع أن يحيا دونها.. دون (دانييلا) خاصته.
“كل لحظة.. كل نفس.. يحمل اختياراً.. لكن الحياة ناقصة نقوم بالاختيارات الخطأ. لذلك ينتهي بنا الأمر ونحن نعيش في حالة من الندم الأبدي، وهل هُناك شيء أسوأ من ذلك؟ لقد صنعت شيء يُمكن بالفعل أن يمحو الندم”
وُهنا أهم جزء في الرواية.. الذي سيجعلك تُفكر في كُل إختياراتك.. هل كانت صحيحة أم خاطئة؟ هل كان يجب أن تترك العمل ذلك أم لا؟ هل كان يجب أن تُحب أم تكره؟ هل هل هل وماذا لو؟ ودائرة كبيرة من الإحتمالات.. ولكنك ستكتشف أن كُل تلك الاختيارت التي قومت بها هي ما جعلتك أنت أنت!
مجموع الاختيارات التي قومت بها هي أنت.. يجب أن تكون راضي وقنوع بها.. رُبما أخطأت في البعض.. ولكنك قد أصبت في الكثير وتعلمت من خطأك.. وذلك كاف.
جيسون (2) ليمحي ندمه على إختيار (دانييلا) قام بصنع ذلك الصندوق الأسود ويخطف أحد نُسخه فقط من أجل أن يكون معها.. ولكنه حتى لم يُحاول مع (دانييلا) التي في عالمه..
والتي كانت في الأساس تنتظر أي كلمة أي فعل ليعودا معاً.. كما رأينا مع (جيسون) الأصلي.. هل خاف أن يواجهها بعدما هجرها؟ فاختار الحل الذي لا يحتوي على أي مواجهة!
فقط يأس الحُب والخوف من الرفض هو من جعل (جيسون 2) يفعل كُل ذلك.
تسلسل النهاية شعرت فيه لوهلة أن الكاتب وضع نفسه في مأزق حقيقي.. كيف سيخرج من كُل تلك الصعوبات؟ والحقيقة أن الطريقة التي خرج بها مُقنعة وترضيني تماماً.
ختاماً..
رواية (المادة السوداء) هي بكل تأكيد أعظم رواية قرأتها في هذه السنة ومن أعظم الروايات التي قرأتها في حياتي.. وسأرشحها لكل من أعرفهم ولا أعرفهم! فهي رواية تستحق الـخمسة نجوم بكل تأكيد.. ولي عودة مرة أخرى مع (بليك كراوتش) وأسلوبه الساحر في السرد وحوارات الشخصيات الحيوية جداً والمؤثرة وتعبيراته الرائعة.. هُناك العديد من الإقتباسات التي جذبتني جذباً في هذه الرواية.
“كُلنا نعيش يوماً بيوم غافلين تماماً عن حقيقة أننا جُزء من واقع أكبر وأغرب مما يُمكننا حتى أن نتخيل”
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.