كل الأشياء واضحة جدًّا، مجردة عن كل ما يلوث حقيقتها، كل النوايا عارية جدًّا، لا شيء يسترها، لا شيء قابل للتكذيب، لا أريد ظلامًا، كل ما أبحث عنه هو ظل! وكل ما حولي أصلٌ لا ظل له! فقدت الكثير من الأشياء جمالها وأصبحت قبحًا محضًا! واكتسى الكثير من الأشياء سحر غريب يمحو قبحها! حتى الحزن اكتسى بلمحة فتنة، وأصبح أكثر ندرة، أما الفرح فازداد سحرًا، وأصبح محصورًا أكثر.
لم أختر الحياة، وليس هذا كافيًا ليُختار لي الموت. كلنا في الأرض سواسية، ماذا يعني أن تفرّقنا المناصب والألوان والكراسي! ماذا يعني أن أكون أسود وتكون أبيض؟ أن تشتري قصرًا بينما أشتري قبرًا! أن تفكّر في المستقبل مع عائلتك بينما أطارد الماضي لوحدي! أن تبحث عن تعريف لمعنى المجاعة بينما أنا هارب عنها! ماذا يعني أن تكتفي جاحدًا بينما أحتاج شاكرًا! أن تضحك وتطيل صوتك بينما أبكي وتُكمم جراحي! أن تتمدد على الحرير بينما أظل واقفًا مُدمى القدمين! أن تتنهد من حريّة الشبع بينما أئنُّ من سجن الجوع! ماذا يعني أن نتقسّم، ونزرع الكراهية، نمزّق الوطن، نفرّق الشمال، ونُقصي الجنوب! أن تكون شرقيًا في قناعاتك بينما أكون غربيًا في مبادئي! أن تثق بكمالك ونقص الكثير بينما أرى تمامك نقصًا كبيرًا! ماذا يعني أن يكون قتالنا بالكلام في المجالس والشوارع أشد من قتالنا بالسلاح وأقسى! ماذا يعني أن تملك كل هذا الحق من جسد الحياة، بينما ترفض أن أنال شيئًا منها سوى نتانة رائحة الموت! ماذا يعني كل ذلك إلا أنك لم تُخلق عنصريًا، لكنك كبرت واخترت أن تكون كذلك.
يحدث أن تكون مشرعاً للأحزان فبابك مكسور ونوافذك مخلوعة هل أنا أكتب أم أني أبكي أحرُفاً فالليل وعزف العود وذكرى هالكة تثير وجعي يدُّك الهدوء العواصف بي عائم أنا في الماضي، و نفسي الراحلة (عائم أنا بكوني/ أنت وجميع الموجوعين هنا..)
وامرأة حالمة مثلي كانت تراكم صغار أحلامها لتحتضنهم ليلاَ وتظل تغزل وتحيك على وسائدها لتغفو على جنح حلم ضامر,كانت تدخر صبرها في صندوق قلبها المهشم, لتدفع به ثمناَ لماض قد بهت غدوت اكثر من امرأة في جسد واحد بقي مني شق قلب متأكل وروح تلتحف الأسى, غدوت امرأة حبلي ببراثن الشجن والكلل اترنح بين سرج وقناديل أمل, وأتذرع بلجام الصبر وما زالت تعرقلني عقبات الحياة.
كان رفيق قلبي المخلص الذ لم أتوقع منه الخيانة أبداَ
إلى حين ضاق به الكبت يوماَ فنطق!
وأدركت حينها:
أن الجوارح إن طال صمتها
“نطقت“
لم أكن أظن أني في يومٍ ما قد أكتب إلى امرأةٍ قد سكنت صدري، حتى أصبحت عيناها راحتي وهلاكي، ولم يدر في خاطري يومًا أني أقع في شباك الحبّ ولا أملك سوى الاستسلام. أكتب إليكِ اليوم وفي عينيّ بحر من الدمعات، وألفُ رايةٍ للحنين. لا أحبّ لعبة الكلمات، وتفسيراتها، وطريق الكتابة الغارق في المعاناة، لكني أجد نفسي مجبرًا أن أخطو إليكِ عبرها، وأن أضع ما يثقل أيامي بالحزن والقلق على ميزانكِ.. سائلًا إياكِ أن تحلي قضيتي، وتعدلي بيني وبين ما سرقه الغياب من أحضان، ونظرات، وصوتٍ كان يبعث في مهجتي الأفراح. لم أدرك كم هو قاسٍ هذا الغياب! ومعنى أن أتوه في خرائط الحنين، أبحث عن مخرج يدلني عن نصفي الآخر، ذلك الذي أضعته دون أن أدري، وكيف أن تاريخي يستحيل إلى لحظاتٍ معدودة، تغيب فيها كل الوجوه ويبقى وجهكِ خالدًا بها. تخيلتُ حياتي لو أني لم ألقاكِ؛ فلم أجد سوى صورةً لوجهٍ كئيب يعيش في قوقعة من حزن.. ليس لديه غاية واحدة سوى الهروب من كل ما تعلق في ذاكرته. أنا من صالحتني الأيام عندما وضعتكِ في طريقي.
أصبحت أكرة كل تلك الوسائل التي تربطني بالعالم الخارجي، العالم المميت، الكاذب. التي استأصلتني من نفسي ومن أيامي العفوية كانتزاع الوليد من رحم أمه. حين تقرر عيناي أن تهطل، أجدني مكبلة أرغم على الضحك، استنزفت مني عفويتي طبيعتي.. جمالي. كيف أتماسك بينما الافتراضيين هؤلاء يحاولون الإيقاع بي؟ كيف أتمالك نفسي وأتجاهل حمرة الأيام الكريهة؟ حدث اليوم أنني في قعر قوقعتي الخاصة بطقوسي الخاصة. تجاوزني الوقت وأنا تائهة بينهم في صراع مع نفسي.. في صراع مع الاصطناع والتزييف. تساقطت مني الحرية التي كنت أدعيها والرغبة في خلق روح جديدة حرة.. تجاوزتني الأشياء جميعها ولم أتجاوز سوى أزرة هاتف وزر التقاط صورة. أُلتِقطَت الصورة.. بعدسة جميلة؟ بخلاف عدسة عين يسكنها الكثير من الأرق.. من يشعر؟ يروني فقط من خلال ألوان غرفتي الفرحة وزرقة إضاءتي.. ومن الجمال المرتخي على وجه كوب قهوتي.
إن كنت ستقراَ بصطدام كثافة فضولك
فأخفض جناح مجدبة الموسيقي
فإن النوم سلطان على كتفي.
يحدث أحيانًا أن نفقد قدرتنا على التفسير لكل ما نواجهه في حياتنا حتى تصبح الحياة بأكملها لغزًا محيرًا. تفقد الأحداث والمواقف والقلوب هويتها، وتحاصرنا وحشةٌ قاتلة نشعر معها بالاغتراب حتى عن أنفسنا! ثم على حين غربة تهرع أرواحنا باحثةً عن وطنٍ يؤويها من تلك البعثرات المقيتة.
أنا رجل ثنائي القطب، يقتات على مشتقات الليثيوم منذ خمس سنوات. كنت أحاول أن أجعل هذا الكتاب سيرة ذاتية تشرح ما مررت به بأجزائه الدقيقة وتفاصيله الصغيرة، إلا أنه من الصعب أن تحكي للآخرين تلك التجربة التي تمر بها مع الظلام وغياب العقل. فعندما ساد الظلام في عقلي، خرجت لهم وأنا أدعي بأني نبيهم الحق.. منذرٌ لهم أن العالم سيدمر إن لم يتبعوني، والكثير من الحماقات التي ارتكبت؛ فعندما يغيب العقل يبرز الصنم وتتيه الرؤية… كيف لي أن أكتب هنا ما حدث لي في تلك العتمة.. وكيف لي أن أعترف لمن ما يزال يرى أن المرض النفسي وصمة عار! لكنك ستجد على كل حال بعضًا مما مررت به مع ثنائي القطب دون أن أشعر بالمزيد من الخجل حيال ما قمت به أو صنعت. كانت تجربتي الأولى مع الهوس بريئة للغاية. أما هو… فكانت تجربته معي في غاية الخبث. كنت أجلس في زاوية غرفتي والقيء من حولي يرسم حدودا جغرافية بيني وبين العالم. رائحة المكان كانت نتنة.. كنت كمشلول لا يقوى على الحركة.. يستسلم فحسب!
أبتعد عنك، رويدًا رويدًا.. بينما لا تلاحظ: أنا أتلاشى من محيطك، حتى أختفي! قد فعلتها مرة – إن كنت تذكر – ونجحت، لم ألتفت، ولن. أو تظنني قد التفتُّ؟ أنت الذي لم تمدّ يدك أولا لي.. من أفلتّني حين رجوت الأمان.. أنت. بعد كل ما تسببت به، بعد عمرٍ من التعب قدمته لي على مائدة من انتظار! لربما قصمت ظهر عُمري الذكريات، لكنّي حصلت عليها.. حصلت على أيام كان فيها قلبي ولفرط الفرح طائرًا حبيسًا قد نجا.. لم يسعني إمساكه حتى. لِذَا.. لستُ بنادمة على الإطلاق، وهذه هي تفاصيلنا.. أيامنا وأنت! والحقيقة التي تغابيتها، هي أنّك لم تحبّني.. كنتُ فرصةً لم ترغب في خسرانها يومًا، يمكنك قولها: لقد خسرت!
لا تهجرني،لا أعرف كيف أشاركك الهجران أو أتقاسمه معك مثلما نفعل في كل شيءٍ بيننا، ثمّ إني لا أعلم كيف يمكنني أن أكون عادلةً في أمرٍ كهذا و طيفكَ يحرّض على الحنين . أنا لا أبكيك لأني أخشى أن يقف في طريقنا عائقٌ ما أو أن يتعثر أحدُنا في منتصف الحلم، أبكيك لأن ما بين كفّينا صار أكثر من قلب ، أكثر من حُب، أكثر من حياة.